مقال ... حريق الكوت... حين يُصبح الفساد سبباً في احتراق الأرواح
#مقال
حريق الكوت... حين يُصبح الفساد سبباً في احتراق الأرواح
كتب / ستار دنبوس براك رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال في العراق نائب الامين العام للاتحاد الدولي لنقابات العمال.
لم تكن فاجعة حريق المجمع التجاري في محافظة الكوت مجرد حادث عرضي، أو نتيجة خلل تقني مفاجئ. بل جاءت كصرخة مدوية تكشف عن عمق الفساد والإهمال المستشري في مؤسسات الدولة، لا سيما في دوائر الصحة والسلامة المهنية، التي يفترض أن تكون العين الساهرة على أرواح الناس، لا الغائب الأول عن الميدان.
إنّ ما حدث ليس مجرد فشل في إدارة أزمة، بل فشل في منعها أصلاً. فالسؤال الأكبر الذي يطرح نفسه اليوم: كيف سُمح بتحويل بناية غير مؤهلة إلى مجمع تجاري يرتاده المئات يوميًا؟
أين كانت فرق السلامة المهنية، وأين هي تقارير الكشف الفني؟ ومن منح الموافقات و"غضّ الطرف" عن شروط السلامة التي يجب أن تكون حاضرة في كل زاوية من زوايا هذه المباني؟
كان الأجدر بالجهات المعنية أن تضع السلامة العامة كأولوية قصوى، وأن تُخضع كل بناء عام أو مجمع تجاري لتدقيق صارم، لا لمجرد إجراءات ورقية تمر بين مكاتب ودوائر بلا أثر فعلي. لكن الواقع يؤكد أن ما يُكتب على الورق لا يُترجم على الأرض'' فما ذنب الضحايا الذين قدر لهم الموت بدون الاعتراف بالسبب الحقيقي جراء الإهمال المتعمد بتلك الأرواح.
إن ما حدث في الكوت ليس نهاية مأساة، بل بداية لأسئلة ينبغي أن تُطرح بقوة: من يحاسب من؟ وهل ستُحرك هذه الأرواح التي التهمتها النيران ضمائر من تهاونوا أو تواطؤوا؟
رحم الله الضحايا، وألهم ذويهم الصبر، وجعل من هذه الفاجعة نقطة تحول لا مجرد مأساة أخرى تُطوى في سجل النسيان.
ومن هنا، فإننا في الوسط النقابي العمالي، نطالب بشكل عاجل بفتح تحقيق نزيه وشفاف لمحاسبة كل المتسببين في هذا الإهمال، سواء من المسؤولين الإداريين أو الفنيين في دوائر الصحة والسلامة المهنية، وإعادة النظر الجذرية في آليات منح التراخيص للمجمعات والأسواق والبنايات التجارية.
كما نؤكد على ضرورة تشكيل لجان رقابية مشتركة تضم ممثلين عن النقابات العمالية، ودوائر الدفاع المدني، ومؤسسات الرقابة الهندسية، لضمان توفير بيئة عمل وتسوق آمنة، وصيانة حقيقية لحقوق العاملين والمتسوقين على حد سواء.