خرائطنا بمقاسات اعدائنا
كتب / البروفسور د.ضياء واجد المهندس
رئيس مجلس الخبراء العراقي
في الشرق الأوسط، لا يُعاد رسم الحدود بالقلم، بل بالدم والنفط والتقارير الدولية. ومَن يعتقد أن الأكراد والدروز مجرد أقليات تسعى إلى حقوقها، لم يقرأ جيدًا نصوص "عوديد ينون" أو خطابات "برنارد لويس"، ولم يفهم بعد أن الخريطة التي تُعرض على الطاولة في واشنطن أو تل أبيب، ليست هي نفسها التي تُدرّس في مدارس بغداد أو دمشق.
في عام 1982، جلس السيد "ينون" على مكتبه، وكتب مقالًا بعنوان "استراتيجية إسرائيل في الثمانينيات"، ولكنه في الحقيقة كتب مسودة للقرن الحادي والعشرين. دعا فيه إلى تقسيم الدول العربية إلى كيانات صغيرة، مثلما يُقسّم الجزار الخارطة إلى شرائح لحم قابلة للتجميد. قالها بوضوح: "نريد دولة علوية، كيان كردي، منطقة درزية، وشرق أوسط بلا دولة مركزية واحدة قوية... فقط إسرائيل يجب أن تبقى قوية."
لم تمر سوى سنوات، حتى جاء "برنارد لويس"، وغطّى الفكرة بالشرعية الأكاديمية، قائلًا إن "الحدود الحالية في الشرق الأوسط ليست طبيعية، والعرب فشلوا في بناء دول حقيقية." ومن هنا، بدأت سلسلة طويلة من المشاريع التي تُسوّق على أنها "حلول ديمقراطية"، بينما هي في الواقع "تفتيت هندسي" مدروس بعناية.
الواقع الجديد: الشرق الأوسط حسب المقاس الغربي
العراق:
تحوّل من دولة ذات سيادة إلى ثلاث جمهوريات بلا إعلان رسمي:
الجنوب شيعي بلهجة "تحالفات نيابية".
الوسط سنّي بظل أمريكي.
الشمال كردي، بحكم شبه مستقل، له مطاراته، عملته، وحدوده التي تفتح وتغلق بالمزاج.
🔹 إحصائيات:
عدد البعثات الرسمية لإقليم كردستان: 13.
عدد المرات التي اشتكى فيها العرب من "انفصال الأكراد" ثم عادوا للتفاوض معهم: لا يُحصى.
نسبة تطبيق الدستور في بغداد مقارنة بأربيل: 30% مقابل 90%.
سوريا:
البلد الذي يليق به لقب "دولة متحف"؛ كل منطقة فيها تحكي قصة طائفة أو ميليشيا أو تدخل خارجي:
الدروز في السويداء يرفعون لافتة: "لسنا مع النظام... ولسنا مع المعارضة... نحن مع البقاء".
الأكراد في الشمال الشرقي لديهم قوات، حدود، إعلام، وحتى تمثيل شبه رسمي في أمريكا.
🔹 معلومة لافتة:
مساحة "روجآفا" تساوي تقريبًا مساحة لبنان مرتين، وعدد ميليشياتها أكبر من عدد مدارسها.
خرائط جديدة لأوطان قديمة
في 2006، نشرت مجلة أمريكية خريطة تحت عنوان "الشرق الأوسط الجديد"، لم تثر غضب العرب، بل أثارت شهية السياسيين الطائفيين. الخريطة تقترح:
دولة كردية كبرى تشمل أجزاء من العراق وسوريا وتركيا وإيران.
دولة درزية تمتد من جبل العرب إلى جبل الشوف.
كيانات سنية وشيعية تتقاسم العراق وسوريا واليمن.
إسرائيل؟ مستقرة، عصرية، تتقدم في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وتوزع النصائح عن "أهمية التعددية".
هناك مخطط خارجي... لكن ماذا عن "الداخل" الذي جهّز الطاولة؟
أنظمة مستبدة: رفضت الإصلاح، واعتبرت "المواطنة" ترفًا غربيًا.
معارضات مؤجرة: رفعت شعارات الثورة، وباعتها على قارعة التمويل.
أقليات مهمّشة: طُردت من الهوية الوطنية، فعادت تبحث عن هوية إثنية.
نُخب نائمة: لا تُجيد إلا التباكي على الماضي أو التنظير في المستقبل.
دروز السويداء وأكراد كردستان: شواهد حية
السويداء اليوم: منطقة آمنة نسبيًا رغم الحوادث الأمنية مؤخرا، بلا سلطة مركزية، بلا فوضى، ولكن أيضًا بلا مستقبل واضح.
إقليم كردستان: يشبه "دولة كاملة" بدون اعتراف نهائي، يتفاوض مع واشنطن كما يتفاوض مع بغداد.
هل هذا نتيجة مؤامرة؟ أم نتيجة طبيعية لانهيار مشروع "الدولة الوطنية" العربية؟
الختام:
لا فائدة من البكاء على الخرائط... فالقضية لم تعد عن تقسيم الأرض، بل عن تمزيق الهوية.
هل نوقف المخطط ببيانات الشجب؟ أم بنقاشات تويتر؟
هل يمكن بناء وطن بالمصالحة، أم يجب علينا أولًا الاعتراف أننا كُنّا شركاء في الكارثة؟
باختصار:
لم يُنفَّذ المخطط فقط، بل نُفِّذ بتصفيق بعضنا... والآن نسأل: "من أعدّه؟"
مرفقات (بالمعنى المجازي طبعًا):
خريطة الشرق الأوسط حسب ينون: يمكن العثور عليها في الأرشيف الإسرائيلي.
خريطة الشرق الأوسط الجديد حسب برنارد لويس: متوفرة في كل مطبخ سياسي غربي.
خريطة الوعي العربي؟ قيد الإنشاء... وربما تحتاج أكثر من مهندس، وأقل من زعيم.
البروفسور د.ضياء واجد المهندس
رئيس مجلس الخبراء العراقي
#مرشح مستقل
# قائمة البديل
#تسلسل 9